الخبرة القضائية في القانون المغربي. لم يعط المشرع المغربي أي تعريف مباشر و واضح للخبرة القضائية، بل قام بتعريفها بطريقة غير مباشرة من خلال تعريف الخبير القضائي. وذلك في المادتين 1 و 2 من القانون رقم 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين المؤرخ في 22/06/2001.
تنص المادة 1 من القانون أن الخبراء القضائيين يعتبرون من مساعدي القضاء، و المادة 2 أن الخبير القضائي هو المختص الذي يتولى بتكليف من المحكمة التحقيق في نقط تقنية وفنية، ويمنع عليه أن يبدي رأيه في الجوانب القانونية .
يمكن تعريف الخبرة القضائية من خلال المادتين السابقتين اعلاه وكذلك الفصلين 55 و 59 من ق م م بأنها: 'إجراء من إجراءات التحقيق التي يأمر بها القاضي المقرر، القاضي المكلف بالقضية أو المحكمة بصفة تلقائية أو بناء على طلب الخصوم أو احدهم، يعهد بها إلى شخص مختص ” الخبير” وذلك للقيام بمهمة تتعلق بواقعة أو وقائع مادية يستلزم بحثها أو تقديرها أو على العموم إبداء رأي يتعلق بها علما وفنا لا يتوفر في الشخص العادي ليقدم له بيانا أو رأيا فنيا لا يستطيع (أي القاضي) الوصول إليه وحده".
ما هي السلطة التي يتمتع بها القاضي المقرر، القاضي المكلف بالقضية أو المحكمة بخصوص الأمر بإجراء خبرة ؟
إن لجوء المحكمة إلى الخبرة القضائية في الأصل اختياري وهو يستنتج من الفصل 55 من ق م م الذي لم يرد بصيغة الوجوب. جاء في الفصل 55 من ق م م بأنه يمكن للقاضي أن يأمر بإجراء خبرة، اي أن له السلطة التقديرية المطلقة وكامل الحرية بإجراء خبرة أو رفض إجرائها متى رأى لذلك أسبابا ولا معقب عليها.
تصبح الخبرة الزامية إذا تعلق الأمر بنقط تقنية وفنية لا علاقة لها بالقانون. بحيث لا يمكن للقاضي الاستعانة بمعلوماته الخاصة في المسائل الفنية، لأن ذلك يعتبر من قبيل العلم الشخصي الذي يمنع على القاضي الحكم على أساسه. فإذا تعرض الحكم لمسائل فنية وجب أن يكون هذا المصدر فنيا، وذلك بناءا على اجتهادات المجلس الأعلى ( قرار عدد 3470/1 المؤرخ في 1/12/1999 في الملف الجنائي عدد 68/96 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 55).
اضافة الى ذلك، هناك حالات نص فيها المشرع في فصول خاصة على إجبارية إجراء خبرة قضائية. ففي المادة 171 من مدونة السير التي تنص على ما يلي: "يخضع لزوما لخبرة طبية كل شخص ضحية حادثة سير، أدلى للمحكمة المختصة بشهادة طبية تبين عجزه عن العمل مؤقتا لمدة تفوق 21 يوما أو تعرض لعاهة مستديمة". وكذلك الفصل 36 من ظهير 05/10/1984 المتعلق بزجر الغش في البضائع الذي جاء فيه:” إذا نوزع في استجابات تقرير أو تقارير التحليل خلال الجلسة وطلب المتهم بإجراء خبرة جديدة بشأن ذلك أصرت بإجراء هذه الخبرة … ويعهد وجوبا بالخبرة المذكورة إلى أحد المختبرات المبينة في القائمة المنصوص عليها في الفصل 39 من نفس القانون ”. المادة 153 من مدونة الأسرة ( نفي النسب بواسطة الخبرة ) 158 من مدونة الأسرة ( إثبات النسب ) . التعويض عن حوادث الشغل الفصل 11 من قرار 20 ( 5/1967 حين يتعلق الأمر بمرض مهني لا يتعين تعيين ثلاث خبراء) المادة 11 من مدونة الأسرة ” يستعان بأهل الخبرة من الأخصائيين في معرفة العيب أو المرض ” .
الأمـــر بإجــراء خبــرة : ( ندب الخبير).
يتم تعيين الخبير شرط أن يكون مسجلا بجدول الخبراء. وفي حالات استثنائية يمكن تعيينه خارج الجدول إما لعدم وجود خبير مختص بالجدول أو كان موجودا وتم تجريحه. ويجب عليه في هاته الحالة أداء اليمين قبل إنجاز مهمته ( تحت طائلة البطلان ) .
و اثناء تعيين الخبير تقوم المحكمة كذلك بتحديد مصاريف الخبرة والطرف الملزم بأدائها. باستثناء الحالة التي يؤمر بها في إطار المساعدة القضائية. مع تحديد أجل لإيداعها بصندوق المحكمة والذي لا يجب ألا يتجاوز 15 يوما على الاغلب، ابنداءا من تاريخ الإشعار حسب قانون المسطرة المدنية. وإذا رفض الطرف المعني الأداء وأبدى الخصم رغبته في ذلك فلا مانع من ذلك، ق م م ( المادة 84 ) .
الكيفية التي يعمل بها الخبير:
يتم تبليغ الخبير بالحكم التمهيدي بإجراء خبرة، بعد أداء مصاريف الخبرة.
يستدعي الخبير الأطراف ووكلائهم لحضور الخبرة، إذا كان الطرف هو موضوع إجراء الخبرة ( مرض – تزوير ) وفي غير ذلك من الحالات يمكن استدعاء الوكيل فقط، فيكون التبليغ قانونيا وسليما بناء على قاعدة ” من وكل لا يخاصم “
يتعين أن يكون الاستدعاء برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل 5 أيام قبل تاريخ إنجازها. ويجب إرفاق تقرير الخبرة بما يفيد التوصل ويجب أن يتضمن الاستدعاء يوم وساعة إجراء الخبرة.
يتم إجراء الخبرة بحضور الأطراف و كذلك في غيابهم ولكن بعد توصلهم بالاستدعاء بالطريقة المشار اليها أعلاه.
يستمع إلى الأطراف إن حضروا وملاحظاتهم في محضر مرفق بتقرير.
بعد القيام بالعمليات أعلاه يقوم الخبير بتحرير تقرير حول كل ما قام به بالتفصيل في أصل متنبر ونظائر مع توقيعها.
في حالة الإخلال بمقتضيات الفصل 63 تكون الخبرة باطلة ( ق م أ عدد 216 المؤرخ في 26/1/2005 في الملف المدني عدد 1849 / 04 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 66 .
يتم اشعار الخبير إذا لم يودع تقريره في الأجل، وإذا لم يقم بإيداعه رغم ذلك ودون عذر مشروع يتم استبداله وتغريمه ( الفصل 61 من ق م م ) وتبليغه بذلك وكذلك الأطراف والخبير الثاني .
يتم مراقبة الخبرة بعد إيداعها على أن تكون صحيحة من الناحية الشكلية وتمت فيها الإجابة على كل النقط التقنية المطلوبة. وإما على عكس ذلك يتم إرجاعها له لإعادتها وتكميلها. كما يمكن كذلك إجراء خبرة ثانية من طرف خبير آخر أو استدعاؤه للجلسة لتقديم التوضيحات.
حجية الخبرة القضائية :
كل ما تعلق الأمر بمسألة تقنية وفنية فإن المصدر يتعين أن يكون فنيا كذلك. و بالتالي لا يمكن للقاضي الاستعانة بمعلوماته الخاصة في المسائل الفنية. لأن ذلك يعتبر من قبيل العلم الشخصي الذي يمنع على القاضي الحكم على أساسه. ما يمكن القيام به هو تعيين خبير أو خبراء آخرين للاستيضاح والجوانب التقنية في النزاع، لأنه لا سلطة للمحكمة في تقدير الحقائق الثابتة علميا، بتاءا على الفقرة الأخيرة من الفصل 66 ق م م.
أما إذا كان تقرير الخبرة الأولى والثانية يتضمن مجرد رأي للخبير عبر عنه بألفاظ تفيد الترجيح والاحتمال فلها أن تستغني عنه وتبت في الدعوى استنادا إلى ما توفر لها من حجج في الملف .
و هكذا وبناءا على الفقرة 2 من المادة 2 من القانون 00 . 45، يمكن للمحكمة أن تستعين بآراء الخبراء القضائيين على سبيل الاستئناس دون أن تكون ملزمة لها.
0 Commentaires